إدارة الشئون الفنية
تعاونوا ولا تهاونوا

تعاونوا ولا تهاونوا

12 يونيو 2020

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 20 من شوال 1441هـ - الموافق 12 /  6 / 2020م

تَعَاوَنُوا وَلَا تَهَاوَنُوا

الحَمْدُ لِلَّهِ وَاهِبِ النِّعَمِ وَمُزِيلِ النِّقَمِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَه إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا يَكْشِفُ البَلَاءَ وَلَا يَدْفَعُ الدَّاءَ وَلا يُنْزلُ الشِّفَاءَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَسَيِّدُ العُرْبِ وَالعَجَمِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

أمَّا بَعْدُ:

فَأوصيكُمْ عِبادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَاجْتِنَابِ الفَواحِشِ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، قَال رَبُّنا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[الطلاق:2-3].

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:

إِنَّنَا لَنَحْمَدُ اللهَ العَظِيمَ الكَرِيمَ الَّذِي مَنَّ عَلَينَا بِنِعَمٍ وَافِيَةٍ كَثِيرَةٍ، وَتَفَضَّلَ عَلَينا بِأَفْضَالٍ كَافِيَةٍ غَزِيرَةٍ، وَمِنْهَا تَيسِيرُ العَوْدَةِ إِلَى الصَّلاةِ فِي المَسَاجِدِ بَعْدَ تَعْلِيقِهَا، وَالتَّمْكِينُ مِنْ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ فِيهَا وَتَحْقِيقُهَا، بَعْدَ أَنْ حَنَّتْ إِلَيْها قُلوبُ العُبَّادِ الصَّالحِينَ، وَاشْتَاقَتْ لَهَا نُفُوسُ عِبَادِ اللهِ المُتَّقِينَ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ المُعْتَبَرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ » [أخرجه البخاري ومسلم والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. وَهُوَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَعْمُرُونَ مَسَاجِدَ اللهِ بِالذِّكْرِ وَالطَّاعَةِ، الَّذِينَ أَثْنَى اللهُ عَلَيهِمْ بِقَولِهِ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور: 36-38].

وَكَيْفَ لَا يَفْرَحُ المُؤْمِنُ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَةِ المُسْدَاةِ؛ وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْرَحُ بِعَبْدِهِ الَّذِي يَتَوَطَّنُ المَسْجِدَ للصَّلَاةِ وَذِكْرِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ؟! فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ»[أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني]. وَالمَعْنَى أَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُضُورَ المَسَاجِدِ وَاعْتَادَها مُسْلِمٌ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللهُ لَهُ أَيْ: فَرِحَ بِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيهِ فَتَلَقَّاهُ بِبِرِّهِ وَإِكْرَامِهِ.

إِخْوَةَ الإِيمانِ:

إِنَّ عَودَةَ المُصَلِّينَ إِلَّى بُيوتِ اللهِ أَمْرٌ أَكْثَرُ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ؛ إِذِ الفَرَحُ بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالإِيمانِ وَبِالسُّنَّةِ وَبِالعِلْمِ وَبِالقُرْآنِ مِنْ أَعْلَى مَقَامَاتِ العَابِدِينَ، وَهِيَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ الَّتِي يَفْرَحُ بِهَا أَهْلُ الهِدَايَةِ مِنَ المُؤْمِنِينَ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:58]. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الأَعْذَارِ- كَالمُسِنِّينَ وَالمَرْضَى  وَالعَاجِزِينَ- فِي عَدَمِ حُضُورِ صَلاةِ الجَمَاعَةِ وَقَدْ كَانَ مِنْ قَبْلُ يُحَافِظُ عَلَيهَا؛ فَليُبْشِرْ فَإِنَّ أَجْرَ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ حَاصِلٌ لَهُ بِإِذْنِ اللهِ وَإِنْ صَلَّى فِي بَيتِهِ؛ كَمَا أَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنِ أَبِي  مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ؛ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا». وَهُوَ مُثَابٌ بِإِذْنِ اللهِ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَعَدَمِ حُضُورِ الجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَا انْقَطَعَ عَنْهَا إِلَّا حِرْصًا عَلى سَلَامَةِ نَفْسِهِ وَسَلَامَةِ المُسْلِمِينَ، وَدَفْعًا لِلْأَذَى وَالضَّرَرِ عَنْهُ وَعَنِ المُصَلِّينَ؛ قَال تَعَالَى: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ  [البقرة:195]. وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مأْجٌورٌ غَيرُ مَأْزُورٍ.

نَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ العُلَى أَنْ يَمُنَّ عَلَى بِلادِنَا وَبِلادِ المُسْلِمينَ بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالبَلاءِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرُ، وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ خَيرُ الغَافِرِينَ.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالحِاتُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَاتِه وَأَفْعَالِهِ وَلَا فِي الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ المَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمينَ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ أُولِي الفَضَائِلِ وَالمَكْرُمَاتِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مَا دَامَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاواتُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتْقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.

أَيُّها الإِخْوةُ المُؤْمِنُونَ:

إِذَا كَانَتْ فَرْحَتُنَا بِافْتِتَاحِ المَسَاجِدِ عَامِرَةً، وَبَهْجَتُنَا بِعَوْدَتِنَا إِلَيهَا غَامِرَةً؛ فإِنَّ مِنْ تَمَامِ شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَمِنْ كَمَالِ فَرْحَتِنَا أَنْ نَعْمَلَ مِنْ أَجْلِ بَقَائِهَا وَنَحْرِصَ عَلَى دَوَامِهَا، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِمُرَاعَاةِ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالأَخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوصِياتِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الإِجْرَاءَاتِ الاحْتِرَازِيَّةِ، وَمِنْهَا: الوُضُوءُ فِي البَيتِ، وَلُبْسُ الكَمَّامَاتِ، وَتَعْقِيمُ الأَيْدِي عِنْدَ الدُّخُولِ إِلَى المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ، وَعَدَمُ مُصَافَحَةِ الآخَرِينَ، وَكَذَا التَّباعدُ بَينَ المُصَلِّينَ فِي الصُّفُوفِ بِحَسَبِ مَا هُوَ مَوضُوعٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَإِحْضَارُ كُلِّ مُصَلٍّ سَجَّادَتَهُ مَعَهُ إِلَى المَسْجِدِ ثُمَّ رَدُّها مَعَهُ إِلَى البَيتِ، وَعَدَمُ اسْتِخْدَامِ مَصَاحِفَ المَسْجِدِ، وَعَدَمُ الاقْتِرَابِ مِنَ الآخَرِينَ أَثْنَاءَ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ، وَعَدَمُ الجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ بَعْدَ الصَّلاةِ، وَالأَفْضَلُ أَنْ تُصَلَّى السُّنَّةُ فِي البَيتِ؛ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «.. فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ»[أخرجه البخاري ومسلم].

وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ صَمِيمِ دِينِنَا وَمِنْ رُوحِ شَرِيعَتِنَا وَمِنْ صُلْبِ وَسائِلِ سَلَامَتِنا؛ إِذْ نَهَانَا دِينُنَا عَنْ أَنْ يَضُرَّ بَعْضُنَا بَعْضًا أَوْ يَقْتُلَ بَعْضُنَا بَعْضًا بَالتَّسَبُّبِ أَوْ بِالمُبَاشَرَةِ؛ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿وَلا تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً[النساء:29]؛ أَيْ: لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَتُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ، وَلَا يَقْتُلِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»[أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني]. يَعْنِي: لَا تَضُرَّ نَفْسَكَ وَلَا تَقابِلْ غَيرَكَ بِالمَضَرَّةِ.

فَتَعَاوَنُوا وَلَا تَهَاوَنُوا يَا عِبَادَ اللهِ، وَلْنَعْمَلْ بِالإِرْشَادَاتِ وَالتَّوجِيهَاتِ؛ لأَنَّهَا مِنْ أَجْلِ سَلامَةِ دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَنْفُسِنَا وَمُجْتَمَعِنَا، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].

اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالغَلَاءَ، اللَّهُمَّ إِنّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ نسْألُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِيننا وَدُنْيَانا وَأهْلِنا وَمَالِنا، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنا وَآمِنْ رَوْعَاتِنا، وَاحْفَظْنا مِنْ بَيْنِ أيدينا وَمِنْ خَلْفِنا، وَعَنْ أيَمانِنا وَعَنْ شِمَائِلِنا، وَمِنْ فَوْقِنا، وَنعُوذُ بِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنا. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ والمُسْلِمَاتِ؛ الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى المُسْلِمِينَ، إِنَّكَ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجيبُ الدَّعَواتِ. اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَميرنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَواصِيهِمَا لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، وَاجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ المُسْلِمينَ.

 

 

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني